اخبار وطنية ودولية

السؤال التربوي: الواقع والمطلوب

الواقع المطلوب


بقلم : عبد الحكيم البقريني
إن الحديث عن السؤال التربوي معناه النبش في أعماق العملية التعليمية التعلمية ، باعتباره عماد العملية ، وبوابة الولوج لعالم المعرفة . ولطالما حظي بالدراسة والتمحيص ، وتناولته كل المقاربات ، باعتباره محفزا ، ومحرضا للتلقي ، ومعيارا للادراك والتقييم .
السؤال هو الرابط بين الأستاذ والتلميذ والمعارف . كل ركن يسائل الآخر ، لذا يجب على المرسل أن يدرك خصوصيات المرسل إليه ، ويضع في حسبانه قدراته ومهاراته ، وعلى المستقبل أن يكون عارفا ، مدركا لفقه السؤال ، يدرك المطلوب ، ويحسن اختيار عناصر الجواب . وعلى المعارف أن تكون مدعاة للسؤال ، مستفزة للمتلقيين : الأستاذ والتلميذ .
إن وضعية الأستاذ ، ومساحته داخل العملية التعليمية التعلمية واسعة ، فهو المحرك والقائد ، والموجه ، لا لكونه يملك سلطة المعرفة ، ولكن لكونه يقود ويوجه المتعلم لالتقاط المعنى المراد إدراكه بشكل سلس ومرن ، يستجمع شتات الأذهان ، ويقود العقل الجماعي نحو البؤر المعرفية ، ولن يتأتى للأستاذ ذلك ، إلا إذا كان عارفا تمام المعرفة بالمحتوى المراد تقديمه ، متضلعا بتلاوين وتمظهرات السؤال . فالسؤال يجب أن يكون دقيقا ، لا يحتمل إجابات شتى ، يحافظ على المحتوى المعرفي ، يراعي الفوارق والتفاوتات ، قابلا للتدرج من مستوى أعلى / أصعب ، إلى مستوى أدنى / أيسر . كل هذه الاشياء تفرض على الأستاذ أن يضع في حسبانه أثناء وضع استراتيجية الدرس ترسانة من الأسئلة تقوده إلى إنجاح فعله التربوي . لذا يجب أن تكون الجذاذات حاملة ومعبرة عن تساؤلات ، وتطلعات ، وتكهنات الأستاذ .
لقد غيرت البيداغوجيات الحديثة مكانة المتعلم ، فلم يعد مجرد متلقي للمعارف ، بل أصبح بانيها ، باعتباره حاملا لها ، وأثناء الفعل التربوي يطور مفاهيمه ، ويقوم ما اعوج منها ، وأمام هذا الوضع المتفاوت قد تختل العملية التعليمية التعلمية ، إذ المقرر الدراسي أو المحتوى المعرفي يخاطب متعلما نمطيا ، والأستاذ قد لا يضع في حسبانه التفاوتات … فالمعاني وإن كانت ملقاة على الطريق ، فالقليل من يلتقطها . وهو بذلك يفوت فرصة التقاط المعارف في أية لحظة ، مما يجعله عاجزا عن مسايرة الفعل التربوي بالسؤال والإدراك . والمطلع على واقع المدرسة المغربية يدرك تمام الإدراك الوضع الذي يتخبط فيه المتعلم ، فلا هو قادر على مساءلة المحتوى المعرفي لتدني مستواه ، ولا هو قادر على فك شفرة سؤال الأستاذ ، لعدم تمكنه من آليات الفهم والتحليل فالاستنتاج . لقد أصبح المتعلم عاجزا عن الإجابة عن أي سؤال ، والأدهى أنه قد يجيب دون قراءة السؤال . إنه الوضع الجديد لمتعلم تجاوزه الزمن المدرسي حين تعطلت عجلة معارفه . أمام هذا الوضع لا مفر من تدريب المتعلمين على السؤال ، وإرساء بيداغوجيته ضمن الخطط التربوية ، فضلا عن الخطط الاستعجالية لتجاوز التعثرات بتنسيق واستشارة وتضافر جهود كل الفاعلين والمتدخلين في الشان التربوي .
إن المحتوى المعرفي دعامة أساسية ، هو حلقة الوصل بين الأستاذ والتلميذ ، وليكون ناجحا لابد من أن يكون مثيرا ، جذابا ، يحمل قابلية السؤال ، يثير المتعلم ، ويستفز مخزونه ورصيده المعرفي ، ويشكل حقلا معرفيا خصما للأستاذ ، يستمد منه زوابعه .
المحتوى المستوى المعرفي مغناطيس قد يجذب المتعلم والأستاذ ، وقد يسبب نفورا ، لذلك كان على مدار السنين محط النقد والتنقيح فالتغيير … ومهما كان الامر فالاصلح أن يبقى راسخا في الذاكره الجماعيه نظرا لجاذبيته وتاثيره ، وتأثر المخاطبين به ، وتشبعهم بقيمه ، باعتبارنا نتعلم بالتربية . فنحن أمام رسالة تربية فتعليم .
من كل ما سبق نتبين أهمية السؤال في العملية التعليمية التعلمية . ورغبة في مدرسة ناجحة نأمل في أستاذ يحسن السؤال ، وفي متعلم يصغي للسؤال ، ويحدد المطلوب ، فيستدعي معارفه ، وينسجها لصياغة الجواب ، وفي محتوى معرفي غني ، مفعم بالحياة ، خصب السؤال . وهذا الأمر لن يتاتى بقرارات او مذكرات وزارية تستمد تجارب تربوية عالمية ، قد تكون فاشلة ، أو بيداغوجيات تم تجريبها عالميا فيكون المتعلم المغربي فأر تجربة . لقد حان الوقت ان يستشار الفاعل التربوي المغربي وأن يكون عماد كل إصلاح وما دامت التعليم أولوية وطنية ، فإن نجاحه رهين برجاله ونسائه ، لذا يجب ان يكونوا في الطليعة والريادة ، باعتبارهم صناع رجال المستقبل وهم الأدرى بمكامن الخلل في منظومتنا التعليمية ، وسبل تجاوزها انطلاقا من واقع تجربتهم اليومية إذ هم الأدرى بالواقع وبالمطلوب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى